اختار المترجم الأسلوب الكلاسيكي في بناء القصيدة العربية، لإعادة إنتاج قصائد إيفان فرانكو، وذلك بهدف إيصال المعنى والمزاج عبر الإيقاع الشعري والقوافي. وقد اختار البحور الشعرية العربية التي تتميز بها اللغات التي تتضمن حروفًا صائتة طويلة وقصيرة معًا (الإغريقية، اللاتينية، الهندية القديمة، ومن اللغات الحديثة العربية). وينشأ الإيقاع في كل بيت شعري عن طريق الأوزان القائمة على تناوب الصوائت، وتتكون من عدد متساو من الصوائت الطويلة والقصيرة. ويلاحظ المترجم في مقدمة ترجمته "الأوراق الذابلة" لإيفان فرانكو أنه كان من الضروري في بعض الأحيان كسر هذه القاعدة، التي أرساها الخليل بن أحمد، واستخدام أساليب أكثر حداثة باللغة العربية.
وجد المترجم مرادفات دقيقة للمفردات الأوكرانية التي تضمنتها "الأوراق الذابلة"، حيث تكثر التعابير الشعبية، المفردات اللهجية، المفردات المهجورة المعاني أو المنتقلة، وغيرها من الكلمات النادرة الاستخدام. استطاعت الترجمة أن تحمل العديد من المميزات الأسلوبية من الأصل، وبذلت محاولات مثيرة للاهتمام في إعادة إنتاج التأثيرات الجمالية الشعرية، ومنها الأنغام والأوزان القوافي. كانت الترجمة الأولى من الشعر إلى النثر، أي أنّها مرّت بمرحلة تقنية للمضمون، ثم وضّحت وفصّلت هذه الترجمة النثرية الأولى، حيث قام عماد الدين بتحويل المحتوى إلى نظم، ما يمكن تسميته بإعادة كتابة نص إيفان فرانكو شعرًا.
دعونا نقارن الترجمة العربية بالأصل، عبر قصيدتين من قصائد "الأوراق الذابلة"، وهما "يا ربة القد اللطيف الآسر"، و"يا توتي البرية الحمراء، في المرج تختبين". في النص الأصلي لإيفان فرانكو في الترجمة العربية المنظومة:
يا ربَّةَ القدِّ اللَّطيْفِ الآسِرِ،
شرٌ وسُخريَةٌ بقلبِكِ ذَا الطَّريْ!
شَفَتَاكِ سِحرٌ يحتَويْ رَجْعَ الصَّلا،
وكلَامُكِ الشَفراتُ نحوَ المنْحَرِ!
عينَاكِ تأتَلِقَانِ لطفًا زَائدًا،
لِمَ تُشعِلانِ حريقَ قَلبٍ صابِرِ؟
عينانِ نعساوانِ ليلٌ غائِمٌ
مَحَتَا شُعَاعَ الشَّمسِ خلفَ ستائرِ
حتَّى التبسُّم باتَ عِنديْ مُنهِكًا
والقلبُ عاصِفَة بِنبضٍ عاثِرِ
مَا الفَجرُ، ما مَعنَى الوضوحِ برأيِكِ؟
ما دُمتِ أنتِ سعادتِيْ وتحسُّرِيْ
والحُزنُ أنتِ وكلُّ حبِّيْ المُشتَهَى
وهلاكُ رُوحيْ في جحِيمٍ جائرِ
|
Ой ти, дівчино, з горіха зерня,
Чом твоє серденько — колюче терня?
Чом твої устонька — тиха молитва,
А твоє слово остре, як бритва?
Чом твої очі сяють тим чаром,
Що то запалює серце пожаром?
Ох, тії очі темніші ночі,
Хто в них задивиться, й сонця не хоче!
І чом твій усміх — для мене скрута,
Серце бентежить, як буря люта?
Ой ти, дівчино, ясная зоре!
Ти мої радощі, ти моє горе!
Тебе кидаючи, любити мушу,
Тебе кохаючи, загублю душу.
|
وبناء على طلبنا الخاص، قام مصنّف القاموس الأوكراني - العربي، أستاذ قسم الشرق الأوسط في جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية في كييف يوري كونتشيرجينسكي بترجمة حرفية للقصيدة، من العربية إلى الأوكرانية. وذلك بهدف إجراء المقارنة.
من الواضح أن الترجمة المنظومة لم تطل الصور الشعرية لدى فرانكو، عبر نقلها من لغة على أخرى، بل كذلك من ثقافة إلى أخرى. فالتعبير الشعري "يا ربّة القد اللطيف الآسر"، مفهوم للقارئ الشرق أوسطي. وقد استخدم رائف في ترجمته لفظة "المنحر"، وهو مكان نحر الذبيح في العنق، وذلك لتصوير حدّة الكلمات التي تستخدمها الفتاة، وهي مثل سكين الجزّار حين تقطع منحر الذبيحة. وهنا تكمن صعوبة أخرى، تتمثل في أنّ للألفاظ العربية عددًا من المعاني في آن، لذا يجب أن يتمتع القارئ بحس لغوي أنيق لتحديد المفاتيح الدلالية. كذلك نلمس الفروقات الدقيقة التي لا يمكن اختبارها في النصّ إلا من أبناء اللغة أنفسهم.
ونقارن هنا كذلك قصيدة "يا توتي البرية الحمراء، في المرج تختبين". في النص الأصلي لإيفان فرانكو في الترجمة العربية المنظومة:
يَا تُوتَتِيْ البَرِّيَّةَ الحمراءْ
في المَرجِ تختَبِينْ.. في المَرجِ تختَبِينْ
هلْ تكرَهِينَ الشّمسَ نُورَ بهاءْ
ومِنهُ تهرُبينْ.. ومِنهُ تهرُبينْ
أمْ تَحضُنيْنَ الزَّهرَ فيْ الأنوَاءْ
وعَصفَها تخشِيْنْ.. وعَصفَها تخشِيْنْ
تَتَجَنَّبِيْنَ البَرقَ تحتَ سَماءْ
فَلا تُوَاجِهِيْنْ.. فَلا تُوَاجِهِيْنْ
لا، لسْتُ أخشَى البَرقَ تحتَ سَما
والرِّيْحُ تُغرينِيْ.. والرِّيْحُ تُغرينِيْ
والزَّهرُ لا أحمِيهِ.. لستُ حِمَى
تكفِي أفانِينيْ.. تكفِي أفانِينيْ
أهوى السَّنَا، يستوقِدُ الحُلُمَا
أهواهُ يَغزُونِيْ.. أهواهُ يَغزُونِيْ
حبَّاتِيَ الحَمراءُ تُثقِلُنِيْ
للأرضِ تَحنِينيْ.. للأرضِ تَحنِينيْ
سَعيًا إلى العَليَاءِ تَحرمُنِيْ
بالزَّهرِ تَشْذُونِيْ.. بالزَّهرِ تَشْذُونِيْ
والسِّندِيانُ بِظلِّهِ حَكَمَا
فَوقِيْ يُغطِّيْنِيْ.. فَوقِيْ يُغطِّيْنِيْ
فيْ فَيْئِهِ حظِّيْ وإنْ عَظُمَا
فيْ الظُّلِّ والطِّيْنِ.. فيْ الظُّلِّ والطِّيْنِ
|
Червона калино, чого в лузі гнешся?
Чого в лузі гнешся?
Чи світла не любиш, до сонця не пнешся?
До сонця не пнешся?
Чи жаль тобі цвіту на радощі світу?
На радощі світу?
Чи бурі боїшся, чи грому з блакиту?
Чи грому з блакиту?
Не жаль мені цвіту, не страшно і грому,
Не страшно і грому.
І світло люблю я, купаюся в ньому,
Купаюся в ньому.
Та вгору не пнуся, бо сили не маю,
Бо сили не маю.
Червоні ягідки додолу схиляю,
Додолу схиляю.
Я вгору не пнуся, я дубам не пара,
Я дубам не пара:
Та ти мене, дубе, отінив, як хмара.
Отінив, як хмара.
|
نظرًا لكون أوكرانيا ولبنان يقعان جغرافيًا في قارتين مختلفتين، نلحظ هنا استخدام المفهوم الأكثر قربًا والمفهوم لدى القارئ العربي من بيئته، فالكالينا الحمراء (شجيرة الويبرنوم) تتحول في الترجمة العربية إلى شجيرة التوت الأحمر. ولكن الظواهر الطبيعية الأخرى هي نفسها لدى الشعبين.
في تعليقه على الترجمة، لا يعتقد عماد الدين رائف أبدًا أنّها مثالية. فقد عمل المترجم على نصوص إيفان فرانكو لشهور طويلة، وبذل قصارى جهده في فهم النصوص كلمة كلمة، وأنجز ما فهمه منها، حيث نقل إلى القارئ العربي وللمرة الأولى شعر إيفان فرانكو العبقري. وفق ما قال عماد الدين رائف، فإن ديوان "الأوراق الذابلة" لإيفان فرانكو، المترجم على اللغة العربية، والذي عرض للمرة الأولى في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بدورته الحادية والستين، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، هو الترجمة الفعلية الأولى لأحد أعمال إيفان فرانكو إلى اللغة العربية، وعبر عن تشرفه بتقديمها إلى القارئ العربي باعتبارها أحد مداميك جسر التفاعل الحضاري بين الشعبين الأوكراني والعربي.
مما لا شك فيه أنّ ترجمة "قصص بيروتية" لأغاتانغل كريمسكي، و"الأوراق الذابلة" لإيفان فرانكو، إلى اللغة العربية هي الأولى، ليست إضافة إلى رصيد الترجمة العالمية فحسب، بل إسهاما في تطوير العلاقات الودّية والتبادل الثقافي بين أوكرانيا ولبنان.
بقلم: أوكسانا جوفانيك (الباحثة العلمية الأولى في "المتحف الوطني للأدب الأوكراني)
المصدر (بالأوكرانية): "أعمال إيفان فرانكو وأغاتانغل كريمسكي باللغة العربية في ترجمات عماد الدين رائف"، مقالة علمية في حولية "المتحف الوطني للأدب الأوكراني: بحوث ودراسات وآفاق"، العدد 13، كييف، تموز/ يوليو 2019.
مراجع
1. دراسات أغاتانغل كريمسكي العربية// مجلة "سخيدني سفيت" (عالم الشرق)، العدد الأول، كييف، 2008.
2. أغاتانغل كريمسكي: عالم بالأوكرانيات والاستشراق، كييف، إصدارات ناأوكفا دومكا، 1974.
3. ف.م.بيلكين، قاموس الجيب العربي الروسي، موسكو، "النادي العربي"، 1992.
4. 1897 – قصص بيروتية، أغاتانغل كريمسكي، ترجمة عما الدين رائف، بيروت: رياض الريس للكتب، 2017.
5. ف.إ.كوميساروف، الترجمة والوسائط اللغوية// دفاتر المترجم، موسكو: المدرسة العليا، 1984. ص 19-22.
6. م.كوتسيوبينسكي، إيفان فرانكو. ملخص، قرأنا في تشيرنيهيف، "إضاءات" 1908، كييف: إصدارات كرينيتسا، 1917، ص 31-32.
7. ف.ف.كوبتيلوف، تحول الصور الفنية في الترجمة الشعرية// النظرية والنقد في الترجمة، لينيغراد: دار جامعة لينيغراد الحكومية، 1962. ص 343 – 410.
8. ف. كورنيتشوك، رسالة على أوراق الدراما الغنائية البيضاء.. (يوميات منتحر في حياة وأعمال أوليانا كرافتشينكو وإيفان فرانكو) [مرجع إلكتروني]، على الرابط: irbis-nbuv.gov.ua /.../ cgiirbis_64.exe?
9. أغاتانغل كريمسكي، قصص بيروتية – "فساد الأخلاق"// نوفا هرومادا، العدد 6، كييف، 1906. ص 1-23.
10. أغاتانغل كريمسكي، قصص بيروتية – "فساد الأخلاق"// نوفا هرومادا، العدد 7، كييف، 1906، ص 28-51.
11. أغاتانغل كريمسكي، قصص بيروتية – "سليمانية، أو سليمان في تنورة"// نوفا هرومادا، العدد 8، كييف، 1906، ص 1-25.
12. أ. كريمسكي، أقاصيص ومخططات من الحياة الأوكرانية، قصص بيروتية، كييف: إصدارات الجمعية العلمية الأوكراني، 1919.
13. أ. كريمسكي، أعمال إستشراقية مختارة في خمسة محلدات، إصدارات "أرابيستيكا"، كييف، 2007.
14. ي.م. لياشكو، الترجمة الشعرية كنوع خاص من النشاط الإبداعي (على مواد ترجمات ر.م.ريلكه)// الأوراق العلمية لجامعة ن.غوغول الحكومية في نيجين، سلسلة العلوم اللغوية، 2014. الكتاب الرابع، ص 133 – 136. [مرجع إلكتروني]، على الرابط: http://nbuv.gov.ua/UJRN/Nzfn_2014_4_28
15. م. ريلسكي، الأعمال الكاملة في عشرين مجلدًا، المجلد 16، كييف: 1987، ص 56-67.
16. إيفان فرانكو (1856-1916)، مقالة، هوما بروت، فيرشروب غولوبوبينكو، جيجاليك، إيفان جيفوي، غافرييل كيرمين، ميرون، دافيد، ريجي، روسلان)، [مرجع إلكتروني]، على الرابط: https://studfiles.net/preview/5241769/page:5/
17. أ.صبح وي.كوتشيرجينسكي، القاموس العصري: أوكراني – عربي، كييف: مركز جامعة كييف للطباعة والنشر، 2009.
18. ب. تيخولوز، ن. تيخولوز، فرانكون من الألف إلى الياء، إصدارات ساروهو ليفا، 2016.
19. إيفان فرانكو، الأوراق الذابلة – دراما غنائية، كييف: إصدارات س.ف.كولجينكو، 1911.
20. إيفان فرانكو، القفال باسم – قصة عربية، إصدارات معهد ستافروبيغييسكي، 1901.
21. إيفان فرانكو، نعال أبي القاسم – قصة عربية، طبعة ثانية منقحة، إصدارات ن.ت.ش.، 1902.
22. إيفان فرانكو، الأعمال في عشرين مجلدًا، المجلد العشرين، كييف: 1956، ص 581 – 582.
23. إيفان فرانكو، الأوراق الذابلة – دراما غنائية، ترجمة عماد الدين رائف، كييف – بيروت: 2017. ص 11-12.
24. ت. فرانكو، عن أبي، مقالات ومذكرات، كييف: دنيبرو، 1966. ص 278.
25. يوميات المعلم سوبرون// محفوظات أرشيف معهد تاراس شيفتشينكو للأدب التابع لأكاديمية العلوم الأوكرانية، الصندوق 132، الرقم 208.
26. ب. ياكيموفيتش، إيفان فرانكو الناشر// إيفان فرانكو: كتالوج المنشورات الكتبية/ المصنفون: ب. هلياس، ك. كوستيشينا، أ. سولوفيوف، المشرف العلمي م. هوردي، مركز النشر لدى جامعة إيفان فرانكو الوطنية في لفيف.