الحب الثالث.. الرفض المضني
التقى إيفان فرانكو بتسيلينا زيغمونتوفسكايا صدفة في مكتب البريد حيث كانت تعمل. وهي فتاة بولونية مفعمة بالحياة. سرعان ما أعجب بها الكاتب وهوى في حب غريب لفتاة جميلة لن تقبل به. حب بلا جدوى، سيشغله طويلا، فقد عبرت عن رأيها بصراحة إذ غنه لم يعجبها، بل تميل على الشبان السمر الملوحي البشرة، وإيفان الأصهب بمظهره الأنيق الحكيم بعيد عن خيالها. زعمت تسيلينا أن إيفان كان يطاردها وأعربت عن سعادتها بالتخلص منه عبر زواجها من مفوض للشرطة المحلية، إلا أنّها لم تهنأ بهذا الزواج، فوجدت نفسها أرملة وحيدة بعد الرحيل المبكر لزوجها. إلا أن إيفان لم يتركها على الرغم من صدها المتكرر لها، التقيا مرات ومرات، وساعدها ماديا في مواجهة مصاعب الحياة، وفي المحصلة أسكنها مع أولادها في قسم من منزله. وبعد رحيل فرانكو قام ابنه بمساعدة الأرملة، التي كانت يوما ما محبوبة والده. عانت تسيلينا من حب إيفان لها مثلما عانى هو من صدها له، كانت علاقة غريبة، ولكنها ضرورية في حياة الشاعر كما يظهر من ديوانه "الأوراق الذابلة"، الذي يرجح النقاد أنّه نتيجة هذا الحب المستحيل. وما كتبته ريشة إيفان في حب تسيلينا هو نتاج مخيلته في القسم الأخير والأول من القصيدة.
... وآخِرهنَّ ذاتُ الحُسنِ وَحشيَّةْ
تُصادرُ كلَّ جارحةٍ وعينيَّ
تبثُّ الرُّعبَ في قلبِيْ تصبُّ بَلاءْ
وَجِلْتُ، أمَلتُ أنْ تَتعبْ: "غدًا ستمُلّْ
ستغرقُ فيْ مياه اللَّيْلِ أوْ فيْ الظِّلّْ"
فثارتْ خَمرةً عُلْويَّةً صَهباءْ ...
على صدرِيْ تَنامُ وملؤُها اطمئنَانْ
كوحشٍ ذيْ مخالبِ، منتشٍ شبعانْ
وفجأةُ، تَفتحُ العيْنينِ باستعداءْ
تَنامُ بنِصفِ عينٍ تَرهَبُ الخُسرانْ
وحينًا في التهابٍ تُفتحُ العَينَانْ
شراراتٌ تُطايرُ مِنهُما رعنَاء
ويلتَمِعُ البريقُ ليبهِرَ الأعماقْ
فؤاديْ راضِخًا شبِقًا إليْهَا يُساق
يُوَجِّهُهُ الحَنينُ بأمرِها إنْ شاءْ
بِهَا وترُ النَّعيمِ يدومُ في قلبِيْ
تُهاجِرنيْ الجِراحُ وسطوةُ الرُّعبِ
ويطرقُ باب صدريْ لحنُهُ بسخَاء
فرُوحي بُلبُلٌ في الفخِّ قدْ سُجِنَا
بلا جَدوى يُصارعُ والفرارُ غِنىً
طريقُهُ بيِّنٌ مع أنَّهُ الظَّلمَاءْ
لهَاوِيَةٍ يُقادُ مُنعَّمًا بشَقاءْ
---
المصدر: أبعد من الشرق - أوراق أوراسية في التفاعل الثقافي، عماد الدين رائف (القاهرة: المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، كانون الثاني/ يناير 2020).