سابينا وميخائيل بورادا: لمسة جمال في ذاكرتنا

ينمّ الأثر اللطيف الذي يتركه سحر الخطوط والألوان في الرسم التطبيقي عن حسّ فنيّ مرهف، يتجسّد في لمسة من الجمال الأنثوي تركتها سابينا دوبروفولسكايا بورادا في لبنان، قبل أن يغدرها اندلاع الحرب الأهلية لتهجره قسرًا إلى فرنسا مع زوجها ميخائيل. صمّم الزوجان بورادا خلال سبع سنوات، بين العامين 1968 و1975 اثنتي عشرة مجموعة من الطوابع البريدية اللبنانية، قد تكون بعضها الطوابع الأكثر جمالًا على صعيد الرسم التطبيقي. كيف حلّت ابنة كييف سابينا في بيروت؟ وما هي أهمّ أعمالها مع ميخائيل اللبناني ابن المهاجرين البيض؟ 
في المتحف الوطني اللبناني، قد تقف مشدوهًا أمام فسيفساء جبيليّة تجسد حادثة خطف الأميرة الفينيقيّة أوروبا ابنة ملك صور أجينور، على يد كبير آلهة جبل الأولمب، بعدما تحوّل إلى ثور أبيض؛ أما أن تكون تلك الفسيفساء بين يديك لوحة فنيّة فتلك متعة أخرى، ما كانت لتحدث لولا ريشة سابينا بورادا، وقد احتلّت طابعين من طوابع البريد الجوّي "الجامعة اللبنانية في العالم – اختطاف أوروبا"، سنة 1971، الأول منهما فضّي بقيمة عشرة قروش، والثاني ذهبي بقيمة أربعين قرشًا. وقبلذاك بسنتين، كانت بورادا قد استخدمت اللون الذهبي كذلك في رسم عدد من اللقى الأثرية اللبنانية، في مجموعة "الجمعية الدولية للمتاحف - ICOM"، وهي مجموعة بريدية تتألف من خمسة طوابع، صدرت لمناسبة الذكرى العشرين على افتتاح المتحف الوطني اللبناني، لوحاتها: العملة المعدنية الفينيقية القديمة ذات السفينة، وخنجر جبيل الذهبي، ونقش ناووس الملك احيرام، ولوحة الغزالين المرصّعة، وإناء الطائر – خلدة. 

اللقاء في موسكو

بدأ المهاجرون الروس البيض بالتوافد إلى لبنان وسوريا عبر إسطنبول مطلع عشرينيات القرن الماضي، إثر ثورة أكتوبر، وكانوا من اللاجئين المدنيين، قبل أن تبدأ الإدارة الفرنسية بدعوة المتخصصين العسكريين منهم ليعملوا في إدارات هندسة المساحة والسجلّ العقاري وسم الخرائط. وكان موظفّو إدارة المساحة بمعظمهم من الضبّاط السابقين في الجيش القيصري الروسي والبحرية، وشكّل أعضاء أسرهم العمود الفقري للجالية الروسيّة، وفي العام 1929، أنشأوا "الجمعية الفنيّة التقنية الروسية" في بيروت، وما لبث المهاجرون الروس أن توحّدوا تحت راية رعيّة بيروت لدى الكنيسة الروسيّة الأرثوذكسيّة في المهجر، والتي تأسست في العام 1927. وكان من بين هؤلاء المهاجرين يفغيني بورادا، الذي أرسل ابنه ميخائيل (مواليد بيروت، 1934)، اللبناني المولد والجنسية، لمتابعة دراساته العليا في الهندسة المعمارية في "معهد موسكو الحكومي للعمارة"، بعد تخرّجه من "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجملية – ألبا". في العاصمة السوفياتيّة، تعرف ميخائيل بالشابة الجميلة سابينا هنريخوفنا دوبروفولسكايا، الآتية من العاصمة الأوكرانية كييف للدراسة في موسكو، والتي كانت قد تخرجت من "معهد موسكو الحكومي للعمارة" سنة 1967، وعملت مساعدة لعميد كلية الوسائل التقنية للعمارة في المعهد. 
تزوج سابينا وميخائيل وسافرا إلى لبنان، فعملت سابينا في "وكالة سيروف – بورادا" للهندسة المعمارية في بيروت، إلى جانب زوجها، وعاشا في ربوع لبنان سبع سنوات، وخلال رحلة الفصح الربيعية إلى فرنسا اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان/ أبريل 1975، فحالت دون عودتهما وهكذا بقيا في فرنسا، تاركين وراءهما أملاكهما من دون أمل في العودة إلى بيروت. 

المهْجر الباريسي

يعود الفضل في الكشف عن سابينا بورادا، وعملها مع زوجها في لبنان، إلى الباحثة الروسية اللبنانية تاتيانا كوفاشيفا - بحر، وقد تُوّج هذا الكشف بإرسال سابينا وميخائيل إلى تاتيانا رسالة متلفزة احتلت مساحة بارزة في حفل افتتاح معرض فريد من نوعه في موسكو بعنوان "فنانون روس رسموا لبنان"، حيث عُرضت أعمال الزوجين بورادا إلى جانب أعمال الفنانين بافل بروكوفيفيتش كوروليوف - المعروف عربيًا باسم بول كوروليف (1896-1992) وفلاديمير فلاديميروفيتش بليس (1897-1974). وقد ضمّ المعرض المجموعات الأصلية (نحو 470 قطعة) للفنانين الأربعة. وجميع المعروضات هي من مجموعة المنظم المشارك صاحب معرض الطوابع البريدية الدائم الوحيد في لبنان خليل برجاوي. وتوزعت المعروضات بين طوابع بريدية ومالية وضريبية وأغلفة وأوسمة وميداليات تذكارية وعملات ورقية ومعدنية ولوحات، وغيرها من الرسوم والتصاميم التي نفّذها الفنانون الروس لحساب الدولة اللبنانية والبريد اللبناني.
في قاعة الاحتفالات التابعة لـ"بيت المغترب الروسي" في موسكو، في حفل افتتاح معرض "فنانون روس رسموا لبنان"، تحدّثت سابينا بورادا بكثير من الحب عن الفترة التي أمضتها في لبنان، وبتأثر واضح كيف انتقلت إلى فرنسا للعيش والعمل. هناك في العام 1975، نشر الزوجان بورادا مجموعة مقالات لعلماء سوفيات في حقل أنظمة التصميم الهندسية المؤتمتة. وبدءًا من العام 1976 عملا في مركز أبحاث المعلوماتية المنهجية للهندسة المعمارية (CIMA). وتمحورت المواضيع الرئيسة لأعمالهما البحثية حول تطوير الوسائل التقنية في العمارة، وتحفيز التفكير الإبداعي في مرحلة التصميم الأوّلي للمشاريع. وشاركا في المسابقات الدولية للفنون العمارة، مواصلين نشاطاتهما الإبداعية. 
كما عمل ميخائيل بورادا أستاذًا محاضرًا في كلية التصميم المعماري، في المعهد الوطني العالي للعمارة – باريس كونفلان (ENSA Paris Conflans)، أما سابينا فعملت أستاذة محاضرة في كلية الفنون الجميلة في معهد فرساي العالي للعمارة (ENSAV). وسجّلت باسمها براءة ابتكار النظام الثلاثي الأبعاد للبثّ التلفزيوني لأوبرا بوف (الخادمة – السيّدة) لـ ج.ب. بيرغوليزي (FR3, 1985)، وكذلك إنشاء أفلام الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد. ولا يزال الزوجان بورادا يعيشان حتى اليوم في فرنسا، بوقد سجّلا باسمهما عددًا كبيرًا من التصاميم الفنيّة، باستخدام التقنيات التقليدية (الرسم المائي، الزجاج الملوّن، التصوير الفوتوغرافي) إلى جانب تقنيات الكومبيوتر. وهما عضوان في جمعيات واتحادات فنية، وشاركا في عدد كبير من المعارض الفردية والجماعية.


إبداعات بيروتيّة

إلى جانب مجموعة "خطف أوروبا – 1971"، و"الجمعية الدولية للمتاحف – 1969"، رسم الزوجان بورادا عشرة مجموعات طوابع بريدية، لا يصعب تمييز الجماليات والتصاميم التي انفردت بها سابينا بينها: 
الاتحاد البريدي العالمي، سنة 1971، وظهر عليها سم المبنى الجديد للاتحاد في مدينة بيرن، وحوله أربعة تماثيل من حضارات مختلفة لأشخاص يحملون رسائل حول الكرة الأرضيّة. تتألف المجموعة من طابعين، الأول باللون الأصفر بقيمة 15 قرشًا، والثاني برتقالي بقيمة 35 قرشًا. 
جامعة الدول العربية، سنة 1971، صدرت المجموعة لمناسبة اليوبيل الفضّي للجامعة، وتظهر عليها خريطة الوطن العربي وفوقها علم الجامعة، وتتألف من طابعين، الأول ذو  خلفية برتقالية بقيمة 30 قرشًا والثاني ذو خلفية صفراء بقيمة 70. 
السنة الدولية للتربيّة، سنة 1971، عليها الشعار العالمي للمناسبة، وتتألف من طابعين على خلفية بيضاء، الأول باللون الأزرق بقيمة 10 قروش، والثاني برتقالي بقيمة 40 قرشًا. 
مصحّ ضهر الباشق، سنة 1971، صدرت المجموعة المؤلفة من طابعين ضمن حملة مكافحة مرض السلّ، ورُسم عليها مشهدان مختلفان للمصحّ، الأول يظهر المدخل الرئيس بقيمة 50 قرشًا، والثاني مشهد عام للمصح بقيمة مئة قرش. 
مئة عام على ولادة لينين، سنة 1971، صدرت المجموعة لمناسبة الذكرى المئوية على ولادة القائد الشيوعي فلاديمير إليتش لينين، وتتألف من طابعين لبوتريه لينين ذي التصميم السوفياتي، الأول بقيمة 30 قرشًا والثاني 70. 
اليوبيل الفضي للأمم المتحدة، سنة 1971، صدرت المجموعة المؤلفة من طابعين لمناسبة مرور 25 سنة على ولادة المنظمة الدولية، ويحمل الطابعان شعار المنظمة، الأول قيمته 15 قرشًا والثاني 85. 
دورة الألعاب الأولمبية في نيومكسيكو – المكسيك، سنة 1968، تتألف من خمسة طوابع تحمل شعار الأولمبياد، ويجسد كل واحد منها لعبة رياضية بالإضافة إلى أحد شعارات حضارة الأزتيك، والألعاب هي: الوثب الطويل 5 قروش، الوثب العالي 10 قروش، المبارزة 15 قرشًا، رفع الأثقال 20 قرشًا، والتجذيف بالقارب الشراعي 25 قرشًا.
ذكرى مرور مئة عام على تأسيس أول مجلس بلدي، 1968، وتتألف المجموعة من ثلاثة طوابع بريدية تتضمن لوحات مائية لمشاهد من بلدة دير القمر بريشة سابينا، وهي: الدرب القديمة بقيمة عشرة قروش، وشرفة السراي – 15 قرشًا، ودرج المنشيّة - 25 قرشًا.
اليوبيل الفضّي للصليب الأحمر اللبناني 1945-1970، تتألف المجموعة من طابعين، الأول يحمل رمز الصليب الأحمر ضمن دوائر على خلفية بيضاء بقيمة 15 قرشًا، والثاني يحمل الرمز متداخلًا مع الأرزة اللبنانية بقيمة 85 قرشًا. 
البطولة الدولية العاشرة للمبارزة، سنة 1971، تتألف من خمسة طوابع، يحمل الطابعان الأولان أعلام الدول العربية المشاركة بقيمة 10 قروش، والأجنبية قيمة 15 قرشًا، الطوابع الثلاثة الأخرى عليها مشاهد مختلفة من اللعبة: الشيش بقيمة 35، السيف - 40، وسيف المبارزة بقيمة 50 قرشًا. 
--- 

من بيروت وعنها - أوراق أوراسية في التفاعل الحضاري (بيروت: دار المصور العربي، 2018) 

* نشرت هذه المادة في موقع فضائيّة "الميادين" بتاريخ 20 أيار/ مايو 2018، وهي إحدى نتائج معرض فريد من نوعه كان لي شرف المشاركة في تنظيمه إلى جانب الباحثة الأولى الأستاذة تاتيانا كوفاشيفا – بحر والصديق الأستاذ خليل برجاوي، ربيع العام 2017 في "بيت المغترب الروسي" في موسكو، وكان بعنوان "فنانون روس رسموا لبنان: كوروليوف، بليس، بورادا". أما صور الزوجين بورادا التي ترافق المادة فتنشر بإذن خاص منهما.