أولغا.. زوجة إيفان
... لكن ماذا عن زوجة إيفان؟
قلما يتحدث السلافيون الغاليسيون عن حياة أدبائهم الكلاسيكيين الشخصية، ربما يعود ذلك إلى العادات السوفياتية أو إلى تقاليد سلافية أكثر قدما. ترهم يعلقون صورًا لتاراس شيفتشينكو أو ليسا أوكرايينكا، مزينة بفوط مطرزة على دار إلى جانب رموز وطنية، وكأن تلك الصور تتحول إلى أيقونات. إلا أنهم يدركون أن الحب يلعب دورا لا يقل عن الآراء الفلسفية أو السياسية في حياة أي شاعر أو مفكر، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالإبداع. وربما يشذ إيفان فرانكو عن قاعدة الصمت، فقد اعتادوا التحدث عن حبيباته، ربما لكونه هو صرّح عنهن في قصيدته الشهيرة "عرفت الحب في عمري ثلاثا.."، فبعد أولغا روشكيفيتش ويوزيفا دزفونكوفسكايا، حلّت تسيلينا زيغمونتوفسكايا. لكن ماذا عن زوجته أولغا خوروجينسكايا التي لا نصيب لها في هذه القائمة القصيرة؟ هل يكفي أن القصيدة لم تتضمنها لكي يقال عن إيفان لم يحبها؟ قد لا تمت تعميمات كهذه إلى المصير الحقيقي للكاتب بصلة، فقد عمل إيفان فرانكو تحت ضغط كبير وسافر كثيرا واختبر مواقف مختلفة في الحياة واصطدم بمشكلات عصره، وربما وقع في الحب أكثر من مرة، ولم يكن الطرف الآخر يبادله الحب، وفي حياته الكثير من المواقف الدرامية والمأساوية.
كان إيفان في الثلاثين من عمره ولم يتسن له العثور على زوجة له في غاليسيا، والتقى بنصفه الثاني صدفة في كييف. فتاة جميلة أنهت تعليمها العالي، تجيد عددا من اللغات الأجنبية، تعزف على آلة البيانو. وقعت أولغا في حب إيفان على الرغم من سمعته المروعة. من الطبيعي أن أقاربها كانوا قد بذلوا ما في وسعهم في إثنائها عن قرارها، إلا أن أولغا سرعان ما غدت زوجة الكاتب، دعمته بإخلاص، وساعدته في عمله الإبداعي مستعينة بمعارفها الواسعة. أنجبت له أربعة أطفال ولم تتذمر من عملها المرهق في نشر مجلة. كان الأمر ليبدو مثاليًا لولا أنّ إيفان فرانكو باح بشيء إلى صديقه أغاتانغل كريمسكي عن حياته، يقول في رسالة له: "اقترنت بزوجتي الحالية من دون حب. ضرورة الزواج من أوكرانية (من الدنيبرو الأعلى) هي إحدى العادات القاتلة،.. ومن الطالبة الأكثر تفوقا.. هذا بلا طائل. لكن ما العمل، إنه قدري".
بذلت الزوجة أولغا ما في وسعها، تحملت أيام العسر، وكانت تشعر بالغيرة من النساء الأخريات حول إيفان، لكنها في الوقت عينه كانت سعيدة لكونه اختارها زوجة من بينهن. بدأت تعاني من أزمات عصبية، وكانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهرها إعدام ابنها. غدت تجول في المنزل كالمجنونة. لم تتمكن من حضور مراسم دفن إيفان كذلك لكونها كانت آنذاك رهينة المستشفى، ونظرًا لكون تمثال سيرغي ليفتينينكو يحاذي ضريح إيفان، لم يقدر لأولغا حتى بعد موتها أن تدفن أولغا إلى جانبه في ضريح واحد.
---
المصدر: أبعد من الشرق - أوراق أوراسية في التفاعل الثقافي، عماد الدين رائف (القاهرة: المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، كانون الثاني/ يناير 2020).