بعد سنة على وصولها إلى لبنان، أنتجت الكاتبة والباحثة الأوكرانية، مارينا هريميتش، عملًا روائيًا بعنوان "أجنبية في سيّارة حمراء"، كتبته بحسّ فكاهي مرهف، يساهم في تقديم ميسّر لتفاصيل الحياة الزواجيّة بين الأعراق في لبنان، ويكشف جوانب من أسرار التفاهم والتواصل بين الطوائف والثقافات المختلفة.
وتضمّ الرواية التي صدرت مؤخرًا عن دار "نورا دروك" في كييف، كمًّا كبيرًا من الملحوظات الإثنوغرافية والانثروبولوجية، المتعلقة بمختلف الطوائف والمناطق اللبنانية، حبكتها هريميتش في شخصيات الرواية ومشاهدها وأماكنها. ومن اللافت أنّ لفظة "أجنبيّة"، ظهرت كما هي في عنوان الرواية بالحروف الكيريليّة، وبذلك تُدخل هريميتش هذه اللفظة في القاموس الأوكراني الحديث، كمرادف للمرأة الغريبة في البلدان العربية عمومًا وفي لبنان خصوصًا، حيث تجري أحداث الرواية التي كتبتها هريميتش بين بيروت وسان سير ليكول– فرنسا.
مارينا هريميتش ناشرة ومؤلفة أوكرانيّة، مقيمة في لبنان، في جعبتها أكثر من عشرين رواية ذات أنواع أدبية مختلفة، من الروايات الخيالية إلى التاريخية. تتمتع حبكات نصوصها ببُنًى مشوّقة وهي مليئة بالمحطات الفكاهية الجاذبة. فازت مارينا بجائزة المسابقة الأدبية الأوكرانية "كوروناتسيا سلوفا" (تتويج الكلمة - المركز الأول، سنة 2002). بالإضافة إلى عملها في الكتابة الأدبية، تشارك مارينا في البحث العلمي، فهي عالمة شهيرة على صعيد أوكرانيا في الانثروبولوجيا، ما يمنح أعمالها الأدبية خلفية غنيّة متعددة الثقافات.
وتعتبر رواية "أجنبية في سيّارة حمراء" العمل الأول من نوعه في أوكرانيا الحديثة، فهي وإن صيغت في قالب أدبي، إلا أنّها تشكّل مدخلًا سهلًا للقارئ الأوكراني للتعرف إلى الحياة الاجتماعية في لبنان في أدق تفاصيلها، ولفهم العلاقات بين الأفراد في الأسر المختلطة، أي حيث تكون الزوجة أجنبية، وفي هذه الرواية أوكرانية. وقد عكفت هريميتش على جمع الملحوظات خلال شهور طويلة سبقت عملها على الرواية، بالإضافة إلى زياراتها الميدانية لمعظم المناطق اللبنانية واطلاعها عن كثب على تفاصيل حياة العائلات المختلطة والزوجات الأوكرانيات في لبنان ومشاركتها في المناسبات الاجتماعية المختلفة، ويظهر ذلك من التكثيف الكبير في المعلومات التي يتضمّنها الوصف حينًا والمشهديات أحيانًا، بالإضافة إلى المقارنات المستمرّة مع القارئ بين العادات والتقاليد في البلدين.
تقول هريميتش معرّفة بروايتها: تُسمَّى المرأة الغريبة بلفظة "أجنبيّة" في البلدان العربيّة. وتجري أحداث الرواية في لبنان، الشهير بتعدّده الطائفي وتنوعه، وفيها قواسم مشتركة كثيرة مع قصص القرون الوسطى المستمدّة من "الف ليلة وليلة". في وسط الحبكة الروائيّة نلتقي بأجنبيّتين أوكرانيتين، الأولى بافلينا المتزوّجة من أحمد السنّي والثانية فيرا (فيرونتشيك– تصغير وتحبيب) زوجة جواد الشيعي. تأخذ بافلينا على عاتقها مساعدة جواد في التفاهم مع زوجته وحلّ بعض المشاكل العائليّة، لكنها تختفي فجأة.. فتبدأ عملية البحث عنها، التي يشارك فيها أحمد وفيرونتشيك، وينضمّ إليهما بشكل غير متوقع الدرزي الغامض زياد، الذي يجوب بسيارته جميع المناطق اللبنانية.
الرواية وإن كانت الأولى من نوعها في أوكرانيا الحديثة، إلا أنّها العمل الثاني من نوعه في الأدب الأوكراني، مع فاصل زمني كبير، فقبل 121 عامًا، جمع العالم والمستشرق الأوكراني الكبير أغاتانغل كريمسكي ملحوظاته الاثنوغرافيّة والانثروبولوجيّة في بيروت العثمانية، وحاكها قصصًا بعنوان "قصص بيروتية"، ونشرها في كييف سنة 1906، على صفحات مجلة "نوفا هرومادا"، ما شكّل مادة غنيّة لدى القارئ الأوكرانية للتعرف إلى العادات والتقاليد البيروتية عن كثب. وها هي هريميتش اليوم تسير على خطى مواطنها كريمسكي، فتوسّع الإطار لتجوب لبنان كلّه مدونة روايتها بطريقة حيوية تفاعلية، تضخ فيها الكثير من الصراحة والفكاهة والمودّة تجاه شخصيات الرواية الرئيسيين والثانويين، والمجتمع اللبناني عامة.