بعد عودته من أكاديمية كراكوف للفنون عام 1897، انغمس الفنان الشاب إيفان تروش على الفور في حياة غاليسيا الفنية. كانت مقالاته في النقد الفني تنشر مع أعمال ليسيا أوكراينكا الأدبية، في المجلات عينها، وفي كثير من الأحيان في الأعداد نفسها. ومن تلك المجلات "البشير الأدبي العلمي"، و"أوكرانيا الفتاة"، و"ديلو"، "بوديتشنيست". وكان بينهما معارف مشتركون، منهم إيفان فرانكو، أولها كوبيليانسكا، فاسيل ستيفانيك، ميخايلو بافليك.
كان اللقاء الأول بين ليسيا أوكراينكا وإيفان تروش عام 1900، عندما جال الفنان في منطقة حوض الدنيبرو العليا بمبادرة جمعية تاراس شيفتشينكو العلمية وعلى نفقتها. في اجتماع الجمعية بتاريخ 21 تموز/ يوليو 1899، وافقت الإدارة على الرحلة نحو كييف ونواحيها الأثرية، وصرفت الإدارة مبلغا وقدره 210 رينسكي ذهبي (الاسم الغاليسي لوحدة العملة الرئيسة النمساوية الهنغارية – غولدين) مقابل عمل الفنان على رسم بورتريهات لمؤرخين وكتاب ونقاد أوكرانيين.
من المذكرات
لم يكن الفنان حاضرًا في المؤتمر الأثري الذي أقيم، لكنه دون ملاحظات في سيرته الذاتية، يقول: شتاء عام 1900، انتهى بي المطاف في كييف، حيث رسمت عددا من البورتريهات لشخصيات أدبية"، ويمكننا أن نلاحظ هنا أنه ربما رسم بورتريه ليسيا أوكراينكا بمبادرة منه.
أما الشاعرة ليسيا أوكراينكا فتصف في رسالة إلى أختها أولها الأمر كالآتي: "في الأول من نيسان/ أبريل... ها هو المجتمع وها هي فنونه. الآن، يرسم أحد الغاليسيين بورتريها لي. وهو يعمل في المتحف الجديد، الكائن في شارع أولكسندروفسكا، وعلي أن أذهب إلى هناك وأعود يوميًا، أقضي هناك أمامه ساعة وثلث الساعة، أما الطريق ذهابًا وإيابًا فتستهلك نحو ساعتين...". في تلك الفترة، كانت عائلة كوساتش (عائلة الشاعرة) قد استأجرت منزلا في شارع مارينسكو – بلاهوفيشينسكا (الآن ساكساهانسكا، 97 – حيث يقع متحف ليسيا أوكراينكا)، كانت الشاعرة تقصد جلسات الرسم في المتحف الذي كان يسمى "متحف المدينة للآثار والفنون" (الآن "المتحف الوطني للفنون في أوكرانيا").
يتذكر كليمنت كفيتكا، زوج الشاعرة، تلك الفترة على النحو التالي: "... تجدر الإشارة إلى أن وجه ليسا في ذلك الوقت كان متعبًا للغاية، لأنها بشكل عام، أثناء زيارتها إلى كييف، كانت مرهقة بعدد كبير من الواجبات اجتماعية. كما أن جلسات الرسم كانت مكثفة بشكل متعمد، خاصة وأن هذه الجلسات بناء على طلب تروش كانت في أوقات محددة لتأمين ظروف الإضاءة الجيدة في متحف مدينة كييف الذي كان بعيدًا عن مكان سكن ليسيا، وكان بناء المتحف حديثًا، وهو بارد وجاف (لم يكن قد فتح لاستقبال الجمهوربعد). وحدث ذلك، كما أتذكر، في أوائل الربيع".
تعب عيني ليسيا
في ما يتعلق بصحة ليسيا، كانت تلك الفترة واحدة من الفترات المعروفة، فقبل فترة وجيزة كانت قد أجريت لها عملية جراحية ناجحة في العظام، لكن تعبير عينيها مرهقًا إذا ما قورن بتعبيرهما في السنوات الأخيرة من حياتها، عندما كانت تحت وطأة نوع جديد من العمليات أدى إلى تعطيل التمثيل الغذائي عندها، إلا أن التعبير في عينيها أكثر وضوحًا...
بطبيعة الحال، أثار وصول الفنان من لفيف وعمله في كييف حفيظة رجال الأمن، ومن بين التقارير السرية حول الشخصيات والبورتريهات التي رسمها، نقرأ تحت عنوان "تقرير محترف": "لاريسا كوساتش، كاتبة "مالوروسية" (روسيا الصغرى – الاسم القيصري الرسمي لأوكرانيا)، معروفة بين المالوروسيين ومحبّي أوكرانيا (أوكراينوفيلي – مصطلح أطلق على القوميين الأوكرانيين) باسم "ليسيا أوكراينكا"، وتكتب تحت الاسم المستعار "أولينا بتشيلكا". هي ابنة مستشار الدولة الفعلي بيترو أنطونوفيتش كوساتش، الذي تزوج شقيقة المهاجر المتوفى دراهومانوف، أولينا بيتروفنا، التي شعرت بالإهانة عندما اكتشفت أن البورتريه لم يرسم لها بل لابنتها وأنه سيعرض في معرض لفيف. مكث تروش في كييف، ودخل في علاقات مع جميع محبي أوكرانيا المحليين. توقيع اللواء نوفيتسكي".
لوحتان ونسخة
يعتبر بورتريه ليسا أوكراينكا، الذي رسمه إيفان تروش أفضل أعماله. ومثلت هذه اللوحة حجر الزاوية في الصراع الناشئ بينه وبين الفنانين الآخرين. بالإضافة إلى التصادمات الشخصية، وسوء الفهم حول طباعة التراث العلمي للناشط السياسي ميخايلو دراهومانوف، بعدما تزوج تروش من ابنته آريادنا، فقد أغضب الشاعرة ليسيا أوكراينكا بأنه رسم نسخة أخرى عن البورتريه العائد لها. لكن لتلك المشاكل فوائد أخرى، إذ إننا نجد اليوم لوحتي تروش في اثنين من أشهر المعارض الفنية الأوكرانية: المتحف الوطني للفنون في كييف ومتحف أندريه شيبارتسكي الوطني للفنون في لفيف. أما اللوحة المعروضة في متحف ليسيا أوكراينكا، ضمن "متحف الشخصيات البارزة في الثقافة الأوكرانية" في كييف، فهي نسخة عن اللوحة رسمها الفنان الأوكراني كونستانتين كريلوف.
ولد ك. كريلوف بالقرب من سان بطرسبرج عام 1910. بعثرت الأحداث الثورية بعد 1917 أفراد عائلته في سيبيريا (بين أومسك وتومسك). وجد كريلوف نفسه في أوديسا، حيث التحق بمعهد أوديسا للفنون. القت السلطات القبض عليه عام 1937، بسبب أنشطته المناهضة للسوفيات ثم "أعيد تأهيله". بين عامي 1939 و1941 واصل الطالب الموهوب دراسته في معهد كييف للفنون. ظهرت أعماله التي تجسد الطبيعة في العديد من معارض الاتحاد السوفياتي، لكنه كان معروفًا أيضًا برسم البورتريهات باحتراف. لذلك، كلف هذا الفنان، لرسم نسخة من أحد أشهر بورتريهات الشاعرة.