الخط الزمني الثاني،
الحديث، في الرواية، يتشابك بشكل وثيق مع الأول، حيث يكتشف فيه مهندس معماري شاب
في كييف سرًا عائليًا يغير مسار حياته. وفي طريقه نحو حلّ اللغز يلتقي بحبيبته
الأولى، ويرغب في إيجاد أجوبة للعديد من الأسئلة التي ما كانت لتخطر له على بال من
قبل. والقاع السردي في الرواية يصور الحال في أوكرانيا سنة 2012، وهي شبيهة بحالها
سنة 1984، حيث كانت البلاد تقف على عتبة تغيرات جذرية، عواملها تتفاعل، لكنها لم
تظهر على السطح بعد.
يعمل الكاتب سيرهي
سينهايفسكي (من مواليد كييف، سنة 1957) مترجمًا من اللغة الإنكليزية وإليها، وهو متخصص
في الترجمة الأدبية، من أعماله "الفرسان ليوري يانوفسكي، و"سفير أوروس -
شايتان (لقب للهيتمان إيفان دميتريفيتش سوركو)" لفولوديمير ماليك، وموجزات عن
الفن الأوكراني، مثل "فنانون أوكرانيون في باريس 1900 – 1939" لفيتا
سوساك. تخرج من جامعة شيفتشينكو الوطنية الأوكرانية في كييف (1979)، وعمل بين 1984
و1987 مترجمًا عسكريًا في إثيوبيا، التي كانت تشهد مجاعة غير مسبوقة، نتيجة
"التحولات الاشتراكية" وحرب النظام ضد مقاتلي الاستقلال الأريتريين.
نقرأ من الرواية:
عام
جديد
- يوم
سعيد (باللفظ الصربي الكرواتي) – قالت العجوز، وهي تبتسم بزوايا عينيها.
- يوم
سعيد – أجابها أوردينتسيف.
لكن الحديث لم يذهب
أبعد من ذلك، الفرق شاسع بين اللغتين، فتحولنا إلى الإنجليزية كي يفهم واحدنا
الآخر.
- أتسمع
يا أندريه، كيف هي الحال اليوم مع اليوغوسلافيين ؟ - همس الميكانيكي.
- لا
تنزعج يا جورا، ليس لديها أي علاقة بيوغوسلافيا، كل ما في الأمر أنها ولدت هناك.
رافقت الأم تيريزا في
رحلتها الجوية طبيبتها، وثلاث راهبات، وصحافيتان: أميركية وفرنسية. سرعان ما وجدن
أماكن لهن بين صناديق الأدوية، وارتفعت المروحية في الهواء. بدأ المشهد يرتسم
بسرعة من تحت، بلدة ذات تصميم أوروبي واضح، كنيسة، سطوح قرميدية رباعية المنحدرات.
هبطت المروحية في حقل
كان قد تجمع فيه حشد بشري. متمردون من "ميليشيا الشعب" مع أناس يتحركون
بشكل عشوائي، بعضهم يتكئ على عصي للمرضى وآخرون على عكازات للمعوقين. كانوا
بالمجمل يحاولون الزحف نحو الأمام. وصلت سيارات الصليب الأحمر، أقلت الأم تيريزا
مع حاشيتها، تبعها أوردينتسيف وأندريه على متن "لاندروفر" تابع للجنة
الإغاثة والتأهيل المحلية. استغرقت الرحلة بكاملها نحو دقيقتين، كان الهدف منها
تجاوز الحشد.
كان الناس في مركز
البعثة الكاثوليكية يجلسون حول طاولة خشبية طويلة، وقد وضعت أمامهم بعض الأطعمة
البسيطة. كان من نصيب أندريه الجلوس قبالة الأم تيريزا. كسروا الخبز القاسي الشبيه
بالكعك. أثناء الصلاة وضع يديه على حافة الطاولة، كفًا فوق كف، وأغلق عينيه. خطر
له منزل والديه، وجه أمّه، ويكاترينا... "أندريه!" – سمع صوت أوردينتسيف
"إنها تقول لك شيئًا ما!".
- كم عمرك؟ (بالصربية الكرواتية ) – نظر بشكل
آلي إلى ساعة يده، ثم أدرك أنها تسأل عن أمر آخر.
- سبعة وعشرون.
كانت مسرورة للتحدث
بلغة صباها. صمت المتحلقون حول الطاولة مستمعين إلى كلمات الضيفة، فانتقلت الأم
تيريزا إلى اللغة الإنجليزية، وتوجهت بحديثها من جديد إلى أندريه: سمعت أن هناك
الكثير من الكنائس القديمة في هذه الجبال... هل زرتها؟
- ماذا تقول؟ - همس أوردينتسيف وقد نفذ صبره
– أخبرها أننا ممنوعون من التوجه إلى الجبال. فهناك انفصاليون.
- لسوء الحظ، لا يُسمح للنساء دخول الكنائس
الجبلية – تدخلت ممثلة لجنة الإغاثة والتأهيل في الحديث – أقصد، أنه يسمح لهن
بزيارة بعضها فقط، ولكن...
- حتى بالنسبة لامرأة مثلي؟ - سألت الأم
تيريزا، وظهر طيف ابتسامة على شفتيها.
- أخشى ذلك. فهناك يعيش الرهبان فقط...
...