قيد الترجمة: أشجار ليوبكو ديريش النحاسية


من هو ليوبكو ديريش؟

ليوبومير أندرييفيتش ديريش: كاتب أوكراني، ولد عام 1984 في بوستوميتي (مقاطعة لفيف) غرب البلاد. حائز على جائزة "كتّاب أوكرانيا الذهبيون" عام 2016. حاز على درجة الماجستير في الاقتصاد عام 2007. نشر سلسلة من الروايات الشبابية، والفانتازيا، وما وراء الحداثة: "الأشجار النحاسية" (2002)، "عبادة السحلية" (2002)، "العنصر الأول" (2005)، "النية" (2006)، "بعض الظلام" (2007). وعام 2008، نشرت مجموعة "محرك الحب ثلاثي الأسطوانات" التي تضمنت مقالات ديريش، وفازت بالمركز الثاني في مسابقة "أفضل كتاب أوكراني"، التي نظمتها مجلة "المراسل". عمل مقدم برنامج "رفّ الكتب" في قناة "ك.ت.ر." التلفزيونية عام 2010. عاش في مصر عام 2012. قدّم كتاب "رأس يعقوب" (تحت عنوان "كيف تغدو إلهًا بلا بكاء") عام 2013. أصبح عضوًا في لجنة تحكيم مسابقة "عاصمة أوكرانيا الفكرية"، وبدأ الماراثون "100 كتاب في 400 يوم". نشر أعمال "صانع السلام" (2013)، "آخر حب لأسورا مهراجا" (2013)، "أغاني الحب والخلود" (2014) من "دورة سيناء". عام 2014، صار أمينًا للمهرجان الأدبي الدولي الأول (دونيتسك)، الذي أثار موضوع اللغة والعنف في المجتمع. قام بالتعليم في دورات كتابة النصوص ورواية القصص في كييف، عام 2016. أصبح سفيرًا للتسامح ضمن مشروع المركز الدولي للدراسات المتقدمة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أوكرانيا عام 2017. 


الأشجار النحاسية أو "الطائفة" 

كثيرون يرغبون في العبور إلى الجانب الآخر من الواقع. ولكن ما هي محددات الواقع وحدوده؟ وماذا الذي ينتظرهم خارجه؟ تختلف الإجابات على هكذا أسئلة اختلافًا جذريًا بين بيئة وأخرى، وبين ثقافة وأخرى، لكن كيف كانت الحال في أقصى الغرب الأوكراني مطلع الألفية الجديدة؟ يحاول الكاتب، عبر شخصيات روايته أن يكتشف ذلك مصطحبًا القارئ إلى عالم كامل من المعتقدات والطقوس، عبر متاهة مشفرة لا نهاية لها مع العديد من التلميحات، مقدّمًا جرعات من الظواهر الغامضة، في الوقت المناسب، ما يبث الرعب. "الأشجار النحاسية" أولى روايات الكاتب الأوكراني الشهير ليوبكو ديريش، ظهرت عام 2002، فحظيت بإقبال كبير وترجمت إلى عدد من اللغات الأوروبية. الرواية مشبعة بالماورائية والتصوف والموسيقى والشهوة والحب... أما السرد نفسه فلا يترك القارئ غير مبال، فمن المستحيل عدم ملاحظة خصوصياته وهو يلامس الواقع عبر أفكار كاتب تصوغها الموسيقى، كونه يضيء على التحولات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية لدى جيلين على الأقل، في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي؛ فيلجأ المؤلف إلى استخدام التعبيرات العامية الغاليسية (مقاطعة لفيف) وألفاظ الشارع للتوجه إلى الشباب متحدثًا عنهم. يرينا حياة الشباب في بلدة صغيرة، وتقاليدهم، وعلاقاتهم المعقدة بعضهم مع بعض، ومحاولات العثور على معنى الحياة وطريقهم الخاص فيها. كل ذلك في جو من اللاروحية واللاهدف واللامعنى للوجود، واليأس الذي يخيّم على الصراع الأبدي بين الخير والشرّ.


مقطع من الرواية

"سأله الكثيرون عمّا إذا كان هو يوركو بانزاي، وكان يوركو بانزاي يجيب مبتسما بشكل مباشر: "لا. نحن لسنا من الأقارب حتى"، قاطعًا عليهم السؤال التالي. كان بانزاي في سنته الجامعية الخامسة يتخصص في علم الأحياء. كواحد من أفضل الطلاب، في مرحلة التدريب العملي، انتدبته الجامعة لتدريس علم الأحياء في إحدى كليّاتها الخاصة . بصراحة، قبل إخبار بانزاي باسم المدينة، لم يكن يعرف بوجودها. كان اسمها "ميدني بوكي"  وهي بعيدة، تقع على بعد ساعتين ونصف الساعة بالقطار الذي يتوقف عند كل محطة مثل كلب ذليل.

انتقل بانزاي إلى ميدني بوكي في الأسبوع الأخير من آب/ أغسطس. استأجر شقة مؤلفة من غرفة واحدة في مبنى قديم مكوّن من ثلاث طبقات. شقة رهيبة، كأنها شهدت حربًا نووية. أجبرته صاحبتها، وهي عجوز معمدانية على الاشتراك في النشرة الإخبارية المعمدانية، وكذلك في صحيفة "باتريوت" المحلية، حيث يعمل ابنها محررًا. لم تحظ الصحيفة بشعبية كبيرة، لكن بعض الأشخاص كانوا يواظبون على شرائها. تناولت أخبارها آخر قرارات مجلس المدينة، وبرّزت مواضيع الساعة: الاغتصاب والقتل وحالات التحرش بالأطفال وغيرها من الأشياء المنكّهة التي يحبها المتقاعدون كثيرًا. مرّ أسبوع على بدئه العمل في الكلية.

انطلق العام الدراسي في الثامن والعشرين من آب/ أغسطس، وهذه علامة سيئة في حد ذاتها . كان الطلاب يرددون ذلك همسًا في ما بينهم. في الخارج، كان الناس يقطعون الخشب، ويشترون الشموع قبل أن ترتفع أسعارها بشكل حاد مع التقنين الأول للتيار الكهربائي. وعد الشتاء بأن يكون باردًا ومظلمًا ومرهقًا. "على الأقل، اعتقد بانزاي أنهم لا يقطعون المياه في ميدني بوكي، كما هي الحال في لفيف .

كل يوم ما عدا الأحد، كان بانزاي يغادر المنزل مع حقيبة جبلية كبيرة على ظهره. على الرغم من احتوائها على عدد قليل من الكتب، ودفترين للملاحظات، وساندويش مع تفاحتين، إلا أنه لن يستبدلها أبدًا بحقيبة عادية، أو حقيبة يد. آمن يوركو بانزاي بكلمات كارلوس كاستانيدا ، حين نصحه معلمه الشهير دون جوان بأن يحمل كل شيء على كتفيه. أما عن التفاح، فقد قرأ بانزاي أن الطلاب الذين يتناولون تفاحتين يوميًا يشعرون بتحسن كبير وتفوّق عقلي على أولئك الذين لا يأكلون التفاح. هذه الحقائق وأمثالها كانت تشغل بال بانزاي كثيرًا، لأنه كان شديد الاهتمام بصحته الذهنية وبتنمية دماغه ورفعه إلى مستوى أعلى. أما بالمجمل فكان شابًا متواضعًا، ولم يخمن أحد (باستثناء شخص أو اثنين) الرمزية العميقة الكامنة في مضغه قطعًا من الورق أحيانًا...".

عماد الدين رائف