تاتيانا ماركوبولسكا - "أوسفيتا. رايون"
حلّ الدبلوماسي، السفير السابق المفوض فوق العادة لأوكرانيا لدى لبنان إيهور أوستاش، ضيفًا على جامعة ليسيا أوكراينكا الوطنية في فولين، في لقاء بعنوان "أغاتانغل كريمسكي والشرق الأدنى"، بحضور إدارة الجامعة وأعضاء هيئتها التعليمية وطلابها، تحدث فيه عن شخصية أغاتانغل كريمسكي وأعماله. شارك أوستاش الحضور، في 19 آذار/ مارس، بنتائج بحوثه وخططه للمزيد من العمل البحثي.
يرى أوستاش أن دراسة شخصية أغاتانغل كريمسكي هي مهمته في الحياة، ويجد الدبلوماسي في سيرة المستشرق ظروفًا مماثلة لحياته، إذ عمل كريمسكي وأوستاش سكرتيرين علميين في الأكاديمية الأوكرانية للعلوم، وكلاهما عاش في لبنان لعدة سنوات. ولذلك وضع أوستاش هدفًا تمثل في استعادة اسم أغاتانغل كريمسكي وأعماله. يقول: "أعتقد أنه قُلّل من شأن أغاتانغل كريمسكي في أوكرانيا إلى حد كبير لسوء الحظ. وقد حرّرت مؤخرًا رسالة جماعية رُفعت إلى رئيس وزراء أوكرانيا بشأن ذكرى هذا العالم. تخيلوا أن منزل كريمسكي الكائن في زفينيغورودكا، والذي كان دائم التردد إليه، بات اليوم مجرد أربعة جدران فقط. لقد احترق المنزل، وأعيد بناؤه، لكنه ترك على هذه الحال لمدة 30 عامًا". واعتبر أوستاش أن "العالم الروسي قتل كريمسكي مرتين، المرة الأولى حين صفّاه النظام عام 1942، بعدما رُحّل كريمسكي العجوز الذي كان قد فقد بصره تقريبا إلى كوستاناي حتى وفاته. والثانية، عندما رؤوا أن اسمه لا يزال حيًا، زعموا أنهم أعادوا الاعتبار للكاتب وبدؤوا بنشر أعماله. إلا أنهم أزالوا آنذاك كل ما له علاقة بالمظاهر الأوكرانية أو الوطنية من تلك الأعمال". يضيف أوستاش: "عندما بدأت التحضير لتولي منصب سفير مفوض، فهمت أنني سأعتمد في الدبلوماسية الثقافية على الشخصيات التي وجدت مفاتيح العالم العربي. اتضح أن فاسيلي هريهوريفيتش بارسكي، الذي وصف تاريخ لبنان وسوريا وفلسطين في عشرينيات وثلاثينيات القرن الثامن عشر، سافر عبر أراضي الشرق الأوسط. وكذلك أغاتانغل كريمسكي، الذي عاش في لبنان لمدة عامين تقريبًا. كتب كريمسكي تاريخ الأدب العربي، وتاريخ بلاد فارس وتركيا، وأنشأ كتبًا تعليمية".
لكن، يتساءل أوستاش: كم عدد الأعمال الأدبية الأوكرانية المنشورة باللغة العربية؟ يبدو أن عددها قليل جدًا، بالنظر إلى أن ما يقرب من 450 مليون شخص يقرؤون اللغة العربية. لذلك، خلال السنوات الأربع التي قضاها سفيرًا، ساهم في نشر أعمال الكتاب باللغة العربية، بما في ذلك هريهوري سكوروفودا، وفاسيل ستوس، وليسيا أوكراينكا، وبالطبع أغاتانغل كريمسكي. وقد ترجم تلك الأعمال إلى العربية عماد الدين رائف. يضيف أوستاش: "لماذا أحببت عماد الدين رائف كمترجم؟ فالعرب ينظرون إلى ما يترجمه شعرًا على أنه شعرهم الخاص، يبدو مألوفًا لديهم. بالطبع الشعر لغة عالمية... كان العرب يسألون كثيراً بعد قراءة القصائد التي ترجمها: أليست من أشعارنا؟ رائف ناجح جدًا في ترجمة أعمال كتابنا عاطفيًا وبشكل دقيق".
أما المشروع الثاني الذي يعمل عليه الدبلوماسي فهو توزيع الأعمال المنشورة بصيغة إلكترونية. وسيضم فهرس المكتبة الإلكترونية أيضًا أحد أعمال أوستاش نفسه، وهو بعنوان "لبنان الأوكراني". الكتاب مخصص لتاريخ العلاقات الأوكرانية اللبنانية وقد عدل للعرض على الشاشة. وبالفعل عرض الضيف على الجمهور مقاطع من الفيلم الذي يحمل العنوان نفسه.
شكلت بيروت إحدى حلقات حياة كريمسكي، حيث درس اللغة العربية والتاريخ والأدب. عاش الباحث الشاب في حيّ الرميل الفقير، وكان يحب التنزه بالقرب من قصور عائلة سرسق، ويتردد على الكنيسة الأرثوذكسية. أمضى كريمسكي الشتاء بأكمله في بيروت وكتب عن الحياة اليومية للسكان المحليين. بفضل نصوصه، تمكن العرب من فهم كيفية عيش أسلافهم. قام الباحث بمقارنة عادات اللبنانيين مع عادات الأوكرانيين. وكان يحب الترنيم العربي الأرثوذكسي في الكنيسة، وكذلك فناء دير القديس يوحنا الذي طبيعته بحديقة دير كييف بيشيرسك لافرا. عانى كريمسكي من شتاء لبنان القاسي لأنه كان يعيش في منزل بلا نوافذ، وكان عليه أن يغلق الفتحات في الجدران. ووصف الباحث أكبر مشكلة واجهها أثناء إقامته في بيروت في رسالة إلى عائلته، وقد تمثلت في جمعه الكثير من الكتب على مدار عامين، في البداية، وضعها على الأرض، ثم نمت كومة الكتب لتصل إلى النوافذ، ثم إلى السقف، وكان قلقًا بشأن كيفية نقل المكتبة المكتسبة إلى أوكرانيا. ولكنه تمكن من تحقيق خطته، ومعظم الكتب موجودة الآن في مكتبة فلاديمير فيرنادسكي الوطنية في كييف.
في لبنان عثر كريمسكي على كتاب نادر لا يوجد منه سوى ثلاث نسخ، وهي الآن في لندن وباريس وموسكو. يتناول هذا الكتاب رحلة البطريرك مكاريوس بطريرك الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية إلى موسكو وكييف. وقد كتبها ابن البطريرك، بافيل أوليفسكي. وكما أشار إيهور أوستاش، فقد تحدث البطريرك عن أوكرانيا بحب كبير واصفا إياها بالجنة. ينبغي على كل أوكراني أن يقرأ هذا الكتاب، وقد وصف المؤلف فيه ما يرتديه الناس، وما يأكلون، وأين يصلون، وتناول الكتب التي يقرؤونها. وأضاف الدبلوماسي "تأخذون الكتاب وتدركون أننا دائمًا نقلل من شأن وطننا أوكرانيا، لكن البطريرك مكاريوس كان قادراً على رؤية جمالها".
ومن الآثار الأخرى التي كتب عنها كريمسكي الإنجيل المنشور باللغة العربية في عام 1708 بتمويل من إيفان مازيبا. وكان الكتاب المقدس مجلداً ومذهباً، وكانت كلفة طباعته 30 ألف قطعة ذهبية. خصص الناشر سبع صفحات لمدح الهتمان، وبرّز شعار النبالة الخاص به على الصفحة الأولى. أمضى إيهور أوستاش ستة أشهر يبحث من دون جدوى عن الإنجيل في الأديرة والمكتبات والمحفوظات في لبنان، ثم اتضح أن الكتاب محفوظ في كييف في مكتبة فرنادسكي. وبحسب الدبلوماسي، لم يفتح أحد تلك النسخة، وقد قدّم نسخة طبق الأصل من الإنجيل المكتشف إلى رؤساء وكهنة الكنيسة الأنطاكية.
كان كريمسكي هو الوطني الأوكراني الأول، لأنه لم يكن لديه قطرة دم أوكرانية واحدة. وكما كتب يميليان بريتساك: "لقد كان أفضل هدية من شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا"، كما اختتم إيهور أوستاش حديثه.
حضر اللقاء أيضًا ممثلون عن كلية فولوديمير المهنية التي تحمل اسم أغاتانغل كريمسكي. وقد أحضروا معهم منتجات الطلاب المخصصة للاستشراق: التطريز، والأعمال الرسومية والتصويرية، والأطباق. قدم وفد الكلية لرئيس الجامعة أناتولي تسيس قميصًا يحمل صورة حديثة لأغاتانغل كريمسكي، وإيهور أوستاش، وعملة معدنية تذكارية بقيمة 2 هريفنيا.
وتقول إيرينا كونستانكيفيتش، عضو مجلس الإشراف في جامعة ليسيا أوكراينكا: "شكرًا لكم على تعويض ما لا تفعله الدولة أو لا تستطيع فعله من خلال نشر الثقافة الأوكرانية، وخاصة فولين، في الخارج". وتتابع: "فولين غنية حقًا ليس فقط بتاريخها، ولكن أيضًا بالأشخاص الذين عاشوا فيها... ليس فقط ليسيا أوكراينكا، وأولينا بتشيلكا، ولكن أيضًا فياتشيسلاف ليبينسكي وكثيرون آخرون. من الجيد جدًا أن جامعتنا نشطة، ونحن نعمل على الترويج لمبدعي فولين من خلال نشر أعمالهم. علينا أن نفهم أهمية مثل هذا المبدع اللامع أغاتانغل كريمسكي وأن نعتني بإنجازاته".